"في السماء، تظهر غزة كأنها أنقاض حضارة قديمة أُعيد اكتشافها بعد قرون من الغياب. فسيفساء من الخرسانة والجدران المحطمة، أحياء محفورة بالحفر، وطرق تؤدي إلى اللاشيء. مدن أزيلت من الوجود"، هكذا وصف الكاتب لورينزو توندو غزة بعد الحرب الدامية التي يشنها الاحتلال الصهيوني عليها.

وقال في مقال نشرته صحيفة الجارديان، إن غزة كانت نابضة بالحياة حتى أقل من عامين. أسواقها كانت مزدحمة، وشوارعها تعجّ بالأطفال. الآن، ذلك المشهد قد اختفى. لم تُدمّر بفعل زلزال أو كارثة طبيعية، بل بسبب حملة عسكرية إسرائيلية جعلت منها أرضاً تبدو وكأنها خرجت من رماد نهاية العالم.

الرحلة الجوية التي سمح للأسبوع الماضي بصعود صحافيي الغارديان إليها على متن طائرة عسكرية أردنية تحمل مساعدات إنسانية، كشفت مشهداً مأساوياً من الجو. هذه الطائرة كانت واحدة من عدد قليل شارك في إنزال المساعدات بعد استئناف التنسيق الإسرائيلي، تحت ضغط دولي كبير بسبب المجاعة وسوء الأوضاع الطبية في القطاع.

على ارتفاع 600 متر، ظهرت معالم الهجمات الأكثر دموية. شمال غزة، ومدينة غزة، تحولا إلى ركام: مبانٍ منهارة، طرق محفورة، أحياء سويت بالأرض. من هذا الارتفاع، من الصعب رؤية السكان. فقط عبر عدسة طويلة يمكن تمييز عدد قليل من الناس واقفين وسط الدمار – ومضة حياة في أرض تبدو مهجورة.

في مخيم النصيرات، فُتح باب الطائرة الخلفي، وانزلقت حمولات من المساعدات مربوطة بمظلات نحو الأرض. الجيش الأردني أوضح أن العملية رفعت عدد الإنزالات التي نفذها إلى 140 عملية، إلى جانب 293 بالتعاون مع دول أخرى، لتوصيل 325 طناً من المساعدات منذ 27 يوليو.

لكن تلك الكمية لا تقترب حتى من تلبية الاحتياج الحقيقي. منظمات الإغاثة تؤكد أن المجاعة تنتشر بسرعة. المساعدات الجوية تُظهر للعالم أن شيئاً يُفعل، لكنها مكلفة وغير فعالة مقارنة بالشاحنات. في 21 شهراً من الحرب، إنزالات 104 أيام وفرت غذاءً يكفي لأربعة أيام فقط، حسب بيانات إسرائيلية.

وتحمل هذه الإنزالات مخاطر، إذ غرق 12 شخصاً أثناء محاولتهم استرجاع مساعدات سقطت في البحر، وقُتل خمسة عندما سقطت الحمولات عليهم مباشرة.

جنوباً، مرت الطائرة فوق دير البلح، حيث قُتلت الطفلة يقين حماد، أصغر مؤثرة على مواقع التواصل في غزة، بينما كانت تسقي الزهور بجوار خيمتها يوم 22 مايو، إثر غارة إسرائيلية عنيفة.

بالقرب من خانيونس، المعقل الذي شهد معارك ضارية، سقط منزل الطبيبة علا النجار بينما كانت تؤدي نوبتها الطبية، فقتل زوجها وتسعة من أبنائها العشرة في القصف.

ومن الجو، تبدو غزة ضئيلة الحجم – شريط أرضي صغير، أصغر بأربع مرات من لندن الكبرى، لكنه تحول إلى ساحة لأحد أكثر النزاعات دموية. أكثر من 60 ألف قتيل في الغارات الإسرائيلية، حسب السلطات الصحية، وآلاف آخرون لا يزالون تحت الأنقاض.

في عمق هذه الأرض المدمرة، تواصل الصحفية ملاك تنتيش من الجارديان عملها، رغم أنها لم تلتقِ بغالبية زملائها بسبب الحصار الإسرائيلي الذي يمنع الخروج. نزحت عدة مرات، وتعيش دون طعام أو ماء كافٍ، وفقدت أهلها وأصدقاءها ومنزلها.

مع عودة الطائرة إلى قاعدة الملك عبد الله الثاني في الغبّاوي، أشار أحد الجنود نحو الأفق. "تلك رفح"، قال. المنطقة الجنوبية التي أصبحت خراباً، حيث قتل مئات أثناء تدافعهم بحثاً عن الغذاء. في تلك البقعة، يوم 23 مارس، استهدفت وحدة إسرائيلية قافلة إسعاف فلسطينية، فقتلت 15 مسعفاً وعاملاً في الإنقاذ، دفنوا لاحقاً في مقبرة جماعية.

عند الهبوط، بقي سؤال يتردد في أذهان الصحفيين على متن الطائرة: متى يمكننا رؤية غزة من جديد؟ وما الذي يمكن أن يُدمَّر بعد، وقد فُقد كل شيء؟

https://www.theguardian.com/world/2025/aug/05/wasteland-rubble-dust-graves-how-gaza-looks-from-the-sky